سورة محمد - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


الآية الأولى:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4)}.
{فَشُدُّوا الْوَثاقَ}: بالفتح، وتجيء بالكسر، اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط.
والمعنى إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم واحفظوهم بالوثاق.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر منا أو تفدوا فداء.
والمن: الإطلاق بغير عوض.
والفداء: ما يفدي به الأسير نفسه من الأسر. ولم يذكر القتل هنا اكتفاء بما تقدم، وإنما قدم المن على الفداء لأنه من مكارم الأخلاق، ولهذا كانت العرب تفتخر به:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم *** إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك فقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها}.
أوزار الحرب: آلاتها التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع، أسند الوضع إليها وهو لأهلها على طريق المجاز.
والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور إلى غاية، هي أن لا يكون حرب مع الكفار.
وقال مجاهد: المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام، وبه قال الحسن والكلبي.
وقال الكسائي: حتى يسلم الخلق.
قال الفراء: حتى يؤمنوا ويذهب الكفر.
وقيل: المعنى حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة.
وروي عن الحسن وعطاء أنهما قالا: في الآية تقديم وتأخير، والمعنى: فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها، فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق.
وقد اختلف العلماء في هذه الآية: هل هي محكمة؟ أو منسوخة؟
فقيل: إنها منسوخة في أهل الأوثان، وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم، والناسخ لها قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وقوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]، وقوله: {وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]، وبهذا قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وكثير من الكوفيين.
قالوا: والمائدة آخر ما نزل، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه كالنساء والصبيان، ومن يؤخذ منه الجزية. وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة.
وقيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، روي ذلك عن عطاء وغيره.
وقال كثير من العلماء: إن الآية محكمة وإن الإمام مخير بين القتل والأسر، وبعد الأسر مخير بين المن والفداء. وبه قال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وغيرهم وهذا هو الراجح، لأن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك.
وقال سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره.


الآية الثانية:
{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)}.
{فَلا تَهِنُوا}: أي لا تضعفوا عن القتال.
والوهن: الضعف.
{وَلا تَدْعُوا}: أي الكفار.
{إِلَى السَّلْمِ}: أي الصلح، ابتداء منكم فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف.
قال الزجاج: منع اللّه المسلمين المؤمنين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا.
واختلف أهل العلم في هذه الآية: هل هي محكمة؟ أو منسوخة؟ فقيل: إنها محكمة وناسخة لقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} [الأنفال: 61].
وقيل: منسوخة بهذه الآية. ولا يخفى عليك أن لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن اللّه سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية أن يدعوا إلى السّلم ابتداء ولم ينه عن قبول السّلم إذا جنح إليها المشركون، فالآيتان محكمتان ولم تتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص.
وجملة: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}: مقررة لما قبلها من النهي، أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة.
قال الكلبي: أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات.
وكذا قوله: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ}: أي بالنصر والمعونة عليهم.